إجابة سؤال حول دراسة الفقه.











وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


حياكم الله أخي الكريم؛
سؤالكم وجيه، وإجابتي عليه ستكون وفق النقاط التالية:

أولًا: لا شك أن مرجعنا كمسلمين القرآن والسنة، وهذا لا يشك فيه مسلم، فضلًا عن طالب علم.
ومن المعلوم أن القرآن والسنة ليست دلالتهما على جميع المسائل دلالة صريحة، فليست كل مسائل الفقه يُستدل لها بآيات أو أحاديث صريحة.
لذلك فإن كلمة (الدليل) أوسع من مجرّد النصوص الصريحة من القرآن والسنة، بل يستدل العلماء أيضًا بالقياس وإجماع الصحابة والاستصحاب والاستحسان وغير ذلك من الأدلة التي مرجعها القرآن والسنة كما هو مشروحٌ مستفيض في كتب أصول الفقه.
فتطلّبُ النصوص الصريحة في كل مسألة لا يصح.
وخذ مثلًا: مسألة نص عليها كل علمائنا ممن كتب في المناسك، وهي: استحباب أخذ شعر الإبط والعانة قبل الإحرام . ما الدليل عليها؟
لا يوجد نص صريح فيها ولكنه استحباب الفقهاء من خلال فهمهم لمجموع النصوص الشرعية.

ثانيًا: كتب المذاهب الفقهية:
- عبارة عن مسائل قد استُدل لها بنصوص القرآن والسنة وبقية الأدلة التي ترجع إلى الوحيين.
- وقد سطّرها علماء وأئمة، وفيهم مفسرو القرآن وشرّاح السنة.
فزعمُ أن مسائلها مخالفة للدليل، أو أن مجرّد دراستها تُعتبر منابَذةً لطريقة فقه الدليل = فيه اتهامٌ خطير لهؤلاء العلماء، وتزكية لنفس القائل، فلسان حاله يقول: أنا أفهم منهم وأعلم!!
- إذا تبيّن هذا، فما الذي يجعل قولَ الشارحِ المعاصر الذي غلّط الكتاب بأولى من قول صاحب الكتاب؟!
لماذا يكون صاحب المتن قد خالف الدليل لمجرّد أن الذي درّسه قد قال ذلك!؟ لماذا لا يكون المدرّس هو المخطئ وصاحب المتن هو المصيب؟
فلماذا التسرّع في التخطئة!؟

ثالثًا: دعوتنا للتفقه على وفق الكتب المذهبية، والتدرّج في متونها ليس أمرًا جديدًا، بل هي طريقة سلفنا الصالح منذ قرون.
فطالب العلم لن ينبل في علم الفقه حتى يتدرج وفق السلّم الصحيح في التفقّه.

ولكن هل يلزمه العمل بها؟
الجواب: أما من حيث الجواز فيجوز له العمل بما وصلت إليه اجتهادات المذهب، ولا إشكال في ذلك.
لماذا أصبحت آراء المعاصرين منزّهة عن الخطأ وآراء القدماء منبوذة!! أليس كلما اقتربنا من عصر النبوة كنّا أقرب للحق؟!
لماذا أصبح الشاب يقدّس رأي شيخٍ معاصر، ولا يرفع رأسًا بقول إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل!؟

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ينقل عنه تلميذه البزار فيقول: " ولقد أكثر رضي الله عنه التصنيف في الأصول فضلاً عن غيره من بقية العلوم، فسألته عن سبب ذلك والتمست منه تأليف نص في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته، ليكون عمدة في الإفتاء، فقال لي ما معناه: الفروع أمرها قريب ومن قلد المسلم فيها أحد العلماء المقلدين: جاز له العمل بقوله، مالم يتيقن خطأه..." [الأعلام العلية ص35]

أما من حيث الوجوب فلا يجوز لأحد أن يوجب على الناس العمل باجتهادات أحدٍ كائنًا من كان.
والصحيح عند الحنابلة عدم وجوب التزام مذهب من المذاهب.
فمن سأل عالمًا يوثق بدينه جاز العمل بقوله

فالقضية إذن تتعلق بالمنهجية الصحيحة للتفقه وليست بإلزام الناس بهذه الأقوال.

رابعًا: تخطئة المتون أمام المبتدئين منهج غير سديد،
فطالب العلم المبتدئ إذا درّستُه متنًا فقهيًا مختصرًا، ثم خطّأتُ مسائله وزعمتُ مخالفتها للدليل ماذا سيحصل؟
- سيتشتت الطالب ويحتار مع كثرة نقل الأقوال والمناقشات، ولن يحصّل من الفقه شيئًا ذا بال!
- سيجترأ الطالب على العلماء، وسيسهل عليه نقدهم قبل التأهل، لأن شيخه قد ربّاه على التخطئة منذ المتن الأول! فلا تستغربن سوء أدبه بعد ذلك مع العلماء السابقين منهم واللاحقين.
- لن يُتقن القواعد، إذ إن الفروع الفقهية مبنية على قواعد فقهية متينة تعتبر كالأساس لهذه الفروع، فإذا انتقى له شيخُه من الفروع شيئًا فيثبته وشيئًا آخر يبطله، فلن يستطيع الطالب ربط المسائل بقواعدها الفقهية الأصيلة، وسيحصل عنه اضطرابٌ ملحوظ، وتشتت كبير.

خامسًا: لا مانع من مناقشة أقوال المتون وبيان مخالفتها أو موافقتها للقرآن والسنة.
ولكن متى؟!
إذا اشتد عود الطالب وحصّل علم النحو والقواعد الأصولية والفقهية وغيرها من العلوم
أما قبل ذلك فالطالب مقلّد شاء أم أبى، لأنه فرّ من تقليد أئمة المذهب ووقع في تقليد شيخه.


اللهم اهدنا وسدّدنا،

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سند الأربعين النووية

سند وشهادات دورة الأربعين النووية - الدورة الشرعية الشاملة

خاص بالمشتركين في دورة مرتقى الشرعية الشاملة - نتيجة عمدة الطالب وأسماء الحاصلين على الشهادة الشاملة المستوى الثاني